في السابع والعشرين من ديسمبر كان صباحا مشمسا هادئا رغم تلك الحشودات العسكرية الاسرائيلية التي تحيط بغزة الحبيبة ، صعدت الي سطح منزلي اشرب القهوة بين مجموعتي الصبارية اتفقدها وارعاها ، بدات انظر الي السماء مع ازيز الطائرات في الساعة الحادية عشر وتسعة وعشرين دقيقة ستون طائرة حربية F16 تلقي بحممها واحدث قنابلها واسلحتها المطورة علي مراكز ومؤسسات ومباني غزة استمرت الغارة اربع دقائق مخلفة الدمار الهائل والشامل للمباني التي اصبحت اكواما من الحطام ومئات القتلي والجرحي .
خلال سماعي اصوات الانفجارات كل صوب نزلت مسرعا الي البيت بدات بالاطمئنان علي ابنائي وعلي بناتي بالجامعات والمدارس والاتصال بالاصدقاء والاطمئنان علي الاقارب ، فمنهم من كان يرد علي هاتفه الخليوى ومنهم لا يرد اتصلت باختي ام يحيي اسالها عن زوجها بعد محاولتي الاتصال به عددة مرات ولم اتلقي اجابة اخبرتني انه تحدث معها قبل القصف ب خمس دقائق وهي تحاول اأن تكلمه هاتفيا ولكن الاتصالات اصبحت صعبة بعد القصف .
في الطريق الي بيتها وانا اركب السيارة بدات اتذكر كم كان سعيدا ابو يحيي عندما اصبحت زوجته حامل في شهرها الثاني في سن متاخرة فهي في الاربعينيات من العمر ولها خمس بنات وابن كان يدللها ويلاطفها وياخذها دائما لمراجعة الطبيبة لكي يطمئن علي الجنين وكيف كان يساعدها في اعمال البيت نظرا للحمل .
اوقفت السيارة امام منزله جلست مع اخوته وابيه الجميع يحاول الاتصال به لكن لا مجيب ، مرت ثلاث ساعات ولم نستطع الاتصال به بدا القلق يساورنا ومع اشتداد القصف الجوي ذهبنا الي حيث يتواجد فكان المبني مدمرا مهشما عن بكرة ابيه وفرق الانقاذ تنتشل الجثث لم نجده ايضا ، ذهبنا الي المستشفي الملئ بالمصابين الكثير منهم ملقي علي الارض يعالجه الاطباء لعدم كفاية الاسرة مع حجم الاصابات الكبير كانت الاصابات فادحة واجسام المصابين مهشمة الكثير من بترت ايديهم وارجلهم وحرقت وجوههم كنا نتفحص المصابين وكانت سيارات الاسعاف تتوالي بنقل الحالات.
كانت الدماء تملأ ممرات المستشفي وملابس الاطباء من الدماء تحسبهم مصابين ، انتقلنا الي ثلاجات الموتي نتفحصها كانت ممتلئة ، واكوام من الجثث واللحم المتناثر والارجل والايدي المقطعة واحشاء البشر والجماجم وانصاف الرؤوس وسلاسل الاظهر والاقفاص الصدرية وفروات الراس واجزاء مختلطة لعدة شهداء لقد فرزناها وقلبناها وحاولنا التدقيق بها عدنا الي البيت ولم نجد شيئ عدنا وقد اخبرنا احد الناجين الوحيد من الذين كانو خارج المبني المقصوف انه راي ابو يحيي يدخل قبل القصف بدقائق .....
بدئنا بتجهيز بيت العزاء ... بدء الاصدقاء والاقارب يتوافدون لتادية واجب العزاء ... صعدت الي منزل اختي لئعزيها بالمصاب الجلل لقد كانت شامخة صابرة عزيزة سلمت عليها ولم اري في عيونها اثار دمعة قالت لي انا لله وانا اليه راجعون احتسبه عند الله شهيدا مثواه الجنة ان شاء الله
لقد كانت ام يحيي اقوي من الموقف ... فقد طلبت مني ان تري جثمانه قبل دفنه للوداع ...
بدا القصف يشتد واصوات الانفجارات تتكاثر والناس تاتي لتأدية واجب العزاء ، في اليوم الثاني ذهبنا للبحث عنه في المكان المدمر وجدنا بطاقة هويته وحزامه ( القايش ) عليه دماء وقطع صغيرة من اللحم لا تتعدي سم واحد بعيدا عن المبني لقد اصاب الصاروخ ابو يحيي اصابة مباشرة فتبخر الرجل .
القصف يشتد واصوات الانفجارات تتوالي جمعنا بعض قطع اللحم المتناثرة حول بطاقة الهوية لا تتعدي جرامات وضعناها في كيس صغير ثم في تابوت وصلينا المغرب وصلاة الجنازة خرجنا في موكب مهيب لتشيعه الي مثواه الاخير
كنا نجلس في بيت العزاء في الايام الثلاثة والغارات تتسارع وتتوالي في مكان .
عدت وبدات اجهزي بيتي للحرب ذهبت الي الصيدلية اشتريت كل مستلزمات الطبية وبعض المسكنات اشتريت الدقيق والمعلبات والمياه والشمع لانقطاع التيار الكهربائي وبطاريات الراديو ترانزيستور وكشافات الانارة دخلت بيتي حاملا بعض الاغراض واذا بانفجار من شدته وقعت علي الارض طلبت من ابنائي الاستلقاء ، بدات الشظايا تتناثر والغبار يلف البيت دقيقتين وقفت مطمئنا علي ابنائي بخير واذا بصاروخ اخر استلقينا ارضا ، ومن شدة الزجاج المتناثر والغبار والحجارة التي دخلت بيتي وارتجاج البيت واهتزازه كنت اعتقد ان الصاروخ اصاب بيتي ، وقفت والغبار يملئ المنزل ... الحمد لله الاولاد والبيت بخير عدا بعض الشبابيك التي تناثرت بعيدا لقد كان ابنائي مذهولين من قوة الانفجار ، بدئنا بتفقد البيت وازالة الاحجار و الزجاج المتناثر والتراب وتنظيف الغبار
خرجت لاعرف مكان الصاروخ ... امام منزلي ساحة فارغة عدة دونومات من الارض وبعض الاشجار مكان الانفجار هناك يبعد عن بيتي 45 مترا فقط لقد تم ضرب المكان بثلاثة عشر صاروخا من الطائرات المقاتلة خلال عشرة ايام ، الصاروخ الثالث عشر كان الاقرب الي بيتي بعدة امتار فقد امتلئ بيتي باكوام من الرمل والطين والحجارة وتكسر مزيد من الشبابيك .... في نهاية الاسبوع يوم الجمعة كنا نجلس علي مائدة الغذاء لتناول الطعام انا وابنائي علي اصوات الانفجارات وازيز الطائرات واصوات طائرات الاستكشاف ( الزنانة ) كانت تشتد تارة وتخف احيانا ، .... بدا يخبرني صديق عن طريق الهاتف النقال ( الجوال) ان صديقي وصديقه فريد استشهد ابنه وسالني ان كنت اريد الذهاب ....، كان منطقته غير آمنة وافقت علي الفور انتظرته حتي اتي في الطريق كانت الشوارع شبه فارغة كلما اتجهنا شمالا ، وصلنا الي المنزل جلست مع صديقي فريد لتعزيته ونتبادل الاحاديث ابنه البكر محمد الذي مضي على زواجه ستة شهور ، استشهد في الضربة الاولي يوم السبت الاول وانا اعرف شعور الاب كان متماسكا يدعو له بالرحمة ويخبرني كيف كان يبحث عن رفات ابنه لمدة اسبوع ولم يجده لا في مكان القصف ولا في المستشفيات حتي اخبره بعض الاصدقاء بوجود جثته في المكان مشوهة وبدون راس ... يقول اخذنا الجثة كانت شبه محترقة وصلينا عليها ذهب هو والمئات من المشيعين الاصدقاء والاقارب الي المقبرة لدفنه وفي الطريق ....... وبدات الدموع تنهمر من عيونه ساد الصمت لبرهة ثم اكمل الحديث في الطريق الي المقبرة اعترضتنا بعض السيارات التي نزل منها بعض الرجال والنسوة وطلبو منا انزال الجثة لانهم قالو ان الجثة لاحد ابنائهم وجائت امراة قالت انها امه واخبرتنا بعلامة بين اصابعه الابهام والسبابة لقد تاكدنا ان الجثة ليست لابني بدا يبكي ويخبرنا كيف عاد المشيعين من الاصدقاء والاقارب الي البيت وكانه قتل مرة اخرى ..... ادينا واجب العزاء انا وصديقي وعدنا كنا نرى الدخان المتصاعد من النيران التي تلتهم البيوت واصوات القصف والانفجارات كنا نمشي بالطريق ونشعر ان طائرات الاستكشاف تلاحقنا انها في كل مكان في السماء ، عدت الي البيت مرهقا مما اصاب صديقي فريد ...
السبت الثاني بدا الاجتياح البري بدات الدبابات تتقدم مقطعة قطاع غزة الصغير الي عدة اجزاء وبدات تحاصر غزة من الجنوب والشرق والشمال متمددة بالشريط الساحلي الشمالي الغربي اشتد قصف الطيران وبدات مروحيات الاباتشي بصواريخها وطلقات رشاشاتها تضرب كل متحرك ،.. والزنانات بالقصف والبوارج الحريية وتطلق نيرانها علي السكان بدات المدفعية بدك منازل المواطنين تحضيرا لدخول الدبابات التي كانت تحرق وتدمر كل شي ثابت ومتحرك بدات بدك منازل المواطنين علي سكانها لقد كانت محرقة بمعني المحرقة ، بدات اعداد الشهداء بازدياد من الاطفال والنساء والرجال والشيوخ وتدمير المزارع والبنية التحتية ومضخات المياه والمساجد ، بدا السكان العزل بالخروج تاركين منازلهم وجثث ابنائهم واطفالهم وبدأو باللجوء الي بعض المدارس كانت الاعدد كبيرة كنت اراهم وهم يخرجون يحملون القليل من الحاجيات وبعضهم يحمل اطفاله .... بدات الامور تزداد سوءا وبشاعة القتل والتدمير يفوق المتوقع والمعقول ... بدات البوارج البحرية بدك المنطقة التي اعيش فيها والاخطر هو وصول قذائف الدبابات وبدات اسمع بوضوح قوة صوت القذائف واري الحرائق تشتعل في كل مكان ، في البيوت والمزارع والمصانع والمساجد والمدارس في كل اتجاه ولا زالت الطائرات الحربية تغير وتقصف بشدة .... بدانا نشم رائحة الدمار ورائحة الموت ، جمعت بناتي وابني وزوجتي واخترنا مكان في البيت امن بعض الشيئ وجعلناه مكانا للنوم كنا جميعا ننام سويا ... بدات شظايا الصواريخ والمدفعية تصل بيتنا .... كنت دائما صلبا صامدا احاول طمأنة اولادي احاول ان اجعلهم لا يخافون لكن ............... كنت اعرف ان انهيار رب الاسرة يضعف الاسرة كلها ، كنت دائم التحدث معهم ومناقشة الامور اجيب علي كل تسائلاتهم بتفهم وموضوعية قدر الامكان ..... خلال الحرب بدات الاتصالات التلفونية من اسطوانات الجيش الاسرائيلي تتوعد الناس بالابتعاد عن المقاومة وتهديدات اخرى تلقيت عدة اتصالات واتصالات اخرى كانت كثيرة ومزعجة الي حد بعيد في منتصف الليل وفي ساعات الفجر التي كنا نقتنصها للنوم .... .... الو غزة انا اختكم من تونس الله معكم كيف المقاومة ..... الو غزة اخوكم من ليبيا ..... الو غزة اخوكم من السعودية ..... الو غزة اخوكم من اليمن اكثر الاتصالات اخوكم من ليبيا واليمن يريدو ان ينصرنا الله ولكنهم يريدو معرفة اخبار المقاومة كنت ارد بهدوء وادب شكرا واغلق السماعة ..... مع احترامي الكبير الي الاخوة العرب الاعزاء الذين ارادو المؤازرة وهم كثيرون الا انه ليس كل بل معظم الاتصالات كنت اعرف مصدرها عن طريق كاشف الرقم وهي من المستوطنات احدي طرق الخداع لمعرفة الاخبار ..
في ساعات الظهر اتصل صديق عزيز قال انه لا يستطيع الوصول عندي الي غزة كان مصابا وخرج من المستشفي ويرد المساعدة كانت الاجواء خطرة والتحرك خطيرا ايضا لكن وجدت نفسي مرتديا ملابسي خارج من المنزل ولم اخبر عائلتي عن وجهتي وصلت الي بيت صديقي وجدته مصاب اصابة بسيطة ... شربت معه كوب من الشاي وعلي عجل ودعته للخروج واذا بصوت انفجارات كبيرة قريبة من منزله .. ، جلست وطلبت منه فتح الراديو لمعرفة مكان الانفجارات لكي اعرف ان اشق طريق العودة ، سمعت مباشرة من الراديو ان الانفجارات في مدرسة الفاخورة ، لي هناك بالقرب من مدرسة الفاخورة قريب وهو ايضا صديق فاضل اعرف الفاخورة جيدا منذ عشرات السنين كانت هناك فاخورة لصناعة الفخار صاحبها اسمه ابو جلال رحمه الله اتجهت مسرعا نحو بيته لاطمئن عليه .... يا للهول يا الله اكوام من الجثث رجال شباب اطفال نساء ملقون علي الارض اشلاء و واجزاء وقطع من اللحم البشري متناثرة هناك والكثير الكثير من الاصابات وصلت مع وصول سيارات الاسعاف ، غير معقول اكثر من اربعين جثة واكثرمن مائة واربعين مصاب ... بدء المسعفون بنقل المصابين من بين الجثث وبدات اساعدهم بحمل بعض المصابين ، ووجدت صديقي حيا كنا جميعا نساعد ....، تم اخلاء المصابين وجاء دور الجثث ، لا يمكن ان اصف او اعبر بكلمات عن تلك المشاهد وبرك الدماء وقطع اللحم المتناثرة جراء القاء القذائف ....
عدت دخلت الى منزلي وملابسي كلها دماء , أصاب ابنائي الذهول وانا ادخل البيت جلست واخبرتهم وطلبت ان يحضروا لي كوب من القهوة حتى اغتسل واغير ملابسي , ..... في الايام التالية بدا يشتد القصف اكثر وبدانا نشعر باهتزاز البيت اكثر مساء يوم الجمعة كان هادئا ذهبت للنوم مستغلا ذلك الهدوء كنا جميعا نائمين ... ايقظني جرس التلفون الو ..غزة.. اخوكم من ليبيا ... كيف المقاومة ؟.. بكلمة واحدة شكرا اغلقت سماعة التلفون ..,كانت الساعة الواحد بعد منتصف الليل وقفت اشرب بعض الماء شعرت بالاختناق وحرق في انفي وعيوني , بدا الوضع يشتد فتحت باب البيت لارى ما يدور بالخارج لقد كان دخانا ابيض كثيف يحجب الرؤية على مسافة قريبة جدا لم استطع رؤية شي .. نظرت الى ابنائي وزوجتي ووجدتهم يقظين احضرت عدة فوط وبشاكير بللت اطرافها بالماء وطلبت منهم ان يضعوها على انوفهم للتنفس من خلالها وطلبت منهم الهدوء وعدم الحركة , بدات بالاتصال باصدقائي لمعرفة ما يحدث فوجدتهم جميعا يعانون من الدخان الابيض والرائحة القاتلة الشديدة استمر الحال بعد الساعة الرابعة صباحا انقشع الدخان ... صليت الصبح واخدت فنجانا من القهوة جلست وحدي واشعلت سيجارة فكرت وفكرت وقررت الخروج انا والعائلة من البيت .
كان يوم السبت ذهبت الى ابنائي لاطرح عليهم الامر ما ان اخبرتهم حتى رايت في عيونهم الفرح وبداو بالابتسام سالوني متى ؟ قلت الآن .. حضروا بعض اغراضكم الشخصية القليلة ذهبت خارج البيت لاستطلع الاجواء كانت خطرة ولكن خرجنا فرادى حتى لا تصيبنا قذيفة تقتلنا جميعا , طلبت منهم الوصول الى بيت ابن اخي ابو شمس في وسط غزة الهادئ نسبيا , بقيت لعدة ساعات في البيت لوحدي ثم لحقت بهم , كنا جميعا سعيدين وكذلك ابو شمس لوصولنا لمكان اكثر هدوءا جميعا خلدنا الى النوم الذي لم نعرفه اياما كثيرة .. بدات بالاتصال على بعض الاصدقاء في رفح كان القصف هناك مجنون بقنابل مجنونة على الشريط الحدودي الذي تم تهجير حوالي اربعين الف مواطن من سكانه كانت تلك القنابل من شدتها تعمل حفر عمقها حوالي عشرين متر وبعد ذلك تنفجر مرة اخرى مكونة ما يشبه الزلزال كان الوضع عصيبا في كل مدن وقرى ومخيمات قطاع غزة الحبيب .
بعد اربعة ايام احتاج ابنائي لبعض الملابس خرجت انا وزوجتي الى بيتنا الذي تركناه بعد صلاة الظهر وصلنا كان الجو هادئا دخلنا البيت احسست بالدفئ وشعور غريب كيف تركت بيتي ؟ ولكن كانت بيوت كثيرة محترقة , بدات زوجتي باحضار بعض الملابس للاولاد , فجاة بدا القصف بطائرات الاباتشي حول منزلنا اصبح الوضع خطيرا انتظرنا ساعة حتى هدا القصف وخرجنا مسرعين خارج المنزل جريا بدانا نشعر بالقاء القذائف والشظايا تتناثر بالقرب منا نشم رائحة الفسفور الابيض , اسرعنا اكثر حتى وصلنا الى منظقة امنة وبدا الإعياء يظهر على زوجتي اوقفت سيارة ونقلتها الى مستشفى دار الشفاء.. على الفور وضعوا الاكسجين وبداو بالفحص ورصد تخطيط القلب واعطائها بعض المهدئات , الحمد لله الحمد لله كل شي تمام .. بدات تتعافى ولكن طلب الاطباء ابقائها ساعة تحت الاختبار اتصلت بابني الذي بقي بجانب امه وخرجت لقسم الطوارئ لسماع وصول الكثير من سيارات الاسعاف المحملة بالمصابين .. هناك وقفت اشاهد وصول الجرحى اقتربت اكثر حتى وصلت المدخل ,وصلت سيارة اسعاف فتحت ابوابها ثم تم انزال شاب في الثلاثين من عمره يحتضن طفلين بشدة احدهم في الثالثة والاخر في السادسة من العمر انزله المسعفون كان محترقا هو واطفاله وصل ميتا هو واطفاله لقد كان مشهدا مروعا يا للهول !! .. حسبي الله ونعم الوكيل ... ابتعدت امتار قليلة وقفت بجانب احد المسعفين وهو يشرح كيف ذهب هو وعشرة من الاطباء والمسعفين بعد تدخل الصليب الاحمر عدة مرات وبعد مرور عدة ايام الى منطقة الزيتون لجلب الجثث والبحث عن المصابين .. يقول : اوقفهم الجيش الاسرائيلي على مسافة اكثر من كيلو متر وطلب منهم الترجل من سيارات الاسعاف والتقدم مشيا على الاقدام حتى وصلوا منطقة ودخلوا حيث الكثير من الجثث منها جثث نساء ملقاة واطفالهم الرضع بجانبهم مبيتين احد الرضع كان حيا والكثير من المصابين كانو ا يرقدون بين الجثث لعدة ايام , يقول : فكرنا بطريقة لنقل المصابين الى سيارات الاسعاف التي توقفت بعيدا حوالي كيلو متر او اكثر حتى وجدوا عربة يجرها حمار في احد البيوت اخذوها ووضعوا عليها عشرة مصابين , اثناء سيرهم قنص الاسرائيليون الحمار فاردوه ارضا يقول المسعف : تخلصنا من الحمار امام العربة وبدا قسم منا بجر العربة من الامام والقسم الاخر من الاطباء بدفعها من الخلف حتى وصلوا سيارات الاسعاف .. رجعت الى زوجتي ام مصعب وجدتها بحالة جيدة ورجعنا انا وهي وابني حيث بناتي الحمد لله على سلامة الجميع .. جلسنا جميعا لتناول الطعام واذا بانفجار يهز المنطقة التي اعتبرناها امنة لايوجد مكان امن في غزة.. وقفنا جميعا على الشباك ننظر لالسنة اللهب والدخان التي لم ارى مثلها خلال ايام الحرب .. كان قريب بعض الشي منا .. مخازن الامم المتحدة للاغذية تشتعل .. استمرت النيران ليومين كاملين ..
يوم السبت تم الاعلان ان هناك مؤتمر سوف يلقي فيه ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بيانا , انتظرت حتى الحادي عشر ليلا استمعت باصغاء انا والعائلة لاعلان وقف اطلاق النار من طرف واحد الذي يبدا الثانية صباحا ... خلدنا الى النوم وكنت مستيقظا في ساعات الصبح الاولى طلبت من ابنائي وزوجتي لتحضير انفسهم للعودة الى البيت بعد ان شكرنا ابو شمس على حسن الضيافة .. وصلنا الى بيتنا وحمدنا الله اننا تركناه لاسبوع مما رايناه ولكن البيت كان سليما والابناء جميعا والحمد لله ..ونحن منشغلين بتنظيف البيت وازالة الاتربة ووضع بعض النايلون بدل الشبابيك المكسرة .. اتصل بي ابن اخي ابو زياد الذي يسكن في الشمال في منطقة التوام اخبرني انه عاد الى البيت ولكنه لم يجده كل المنطقة مدمرة ولم يستطع ان يحدد مكان منزله اسرعت اليه انا وابني ... الله واكبر الله واكبر .. كل المنطقة غير موجودة لقد تم تدميره ومسح كل بيوتها عن الارض .. بدانا بالبحث سويا حتى وجدنا بعض العاب بناته وبعض دفاتر المدرسة مكتوب عليها اسماء بناته .. حسبنا الله ونعم الوكيل بيته دمر مع كل ما يحتوي من اثاث حسبنا الله ونعم الوكيل .. طلبت منه بالمجيئ للسكن معنا هو وزوجته وبناته الخمسة اكبرهن في الصف التاني الابتدائي والصغرى سنة ونصف .. كنت مسرورا لموافقته للسكن معنا ولكني تركته وتركت ابني معه ورجعت الى البيت .. كنت مرهقا جدا ... دخلت البيت فوجدت ابنائي يغنون عيد ميلاد سعيد بابا مع بعض الشموع , ابتسمت وهم يغنون .. سمعت صوت هاتف الجوال ورددت ... الو .. اهلا اختي ام يحيى ..سمعت صوتها المتحجرش ثم باكية ... اخبرتني انها ذهبت اليوم الى الطبيبة للاطمئنان على الجنين واخبرتها الطبيبة ان الجنين هالك .. شعرت ان دمعة وقعت من عيني , اشعلت سيجارة وذهبت الى السطح وجلست مع مجموعة الصبار .. الهمنا الله واياكم
الصبر وافرج الله هذا الكرب ودمتم شامخينخلال سماعي اصوات الانفجارات كل صوب نزلت مسرعا الي البيت بدات بالاطمئنان علي ابنائي وعلي بناتي بالجامعات والمدارس والاتصال بالاصدقاء والاطمئنان علي الاقارب ، فمنهم من كان يرد علي هاتفه الخليوى ومنهم لا يرد اتصلت باختي ام يحيي اسالها عن زوجها بعد محاولتي الاتصال به عددة مرات ولم اتلقي اجابة اخبرتني انه تحدث معها قبل القصف ب خمس دقائق وهي تحاول اأن تكلمه هاتفيا ولكن الاتصالات اصبحت صعبة بعد القصف .
في الطريق الي بيتها وانا اركب السيارة بدات اتذكر كم كان سعيدا ابو يحيي عندما اصبحت زوجته حامل في شهرها الثاني في سن متاخرة فهي في الاربعينيات من العمر ولها خمس بنات وابن كان يدللها ويلاطفها وياخذها دائما لمراجعة الطبيبة لكي يطمئن علي الجنين وكيف كان يساعدها في اعمال البيت نظرا للحمل .
اوقفت السيارة امام منزله جلست مع اخوته وابيه الجميع يحاول الاتصال به لكن لا مجيب ، مرت ثلاث ساعات ولم نستطع الاتصال به بدا القلق يساورنا ومع اشتداد القصف الجوي ذهبنا الي حيث يتواجد فكان المبني مدمرا مهشما عن بكرة ابيه وفرق الانقاذ تنتشل الجثث لم نجده ايضا ، ذهبنا الي المستشفي الملئ بالمصابين الكثير منهم ملقي علي الارض يعالجه الاطباء لعدم كفاية الاسرة مع حجم الاصابات الكبير كانت الاصابات فادحة واجسام المصابين مهشمة الكثير من بترت ايديهم وارجلهم وحرقت وجوههم كنا نتفحص المصابين وكانت سيارات الاسعاف تتوالي بنقل الحالات.
كانت الدماء تملأ ممرات المستشفي وملابس الاطباء من الدماء تحسبهم مصابين ، انتقلنا الي ثلاجات الموتي نتفحصها كانت ممتلئة ، واكوام من الجثث واللحم المتناثر والارجل والايدي المقطعة واحشاء البشر والجماجم وانصاف الرؤوس وسلاسل الاظهر والاقفاص الصدرية وفروات الراس واجزاء مختلطة لعدة شهداء لقد فرزناها وقلبناها وحاولنا التدقيق بها عدنا الي البيت ولم نجد شيئ عدنا وقد اخبرنا احد الناجين الوحيد من الذين كانو خارج المبني المقصوف انه راي ابو يحيي يدخل قبل القصف بدقائق .....
بدئنا بتجهيز بيت العزاء ... بدء الاصدقاء والاقارب يتوافدون لتادية واجب العزاء ... صعدت الي منزل اختي لئعزيها بالمصاب الجلل لقد كانت شامخة صابرة عزيزة سلمت عليها ولم اري في عيونها اثار دمعة قالت لي انا لله وانا اليه راجعون احتسبه عند الله شهيدا مثواه الجنة ان شاء الله
لقد كانت ام يحيي اقوي من الموقف ... فقد طلبت مني ان تري جثمانه قبل دفنه للوداع ...
بدا القصف يشتد واصوات الانفجارات تتكاثر والناس تاتي لتأدية واجب العزاء ، في اليوم الثاني ذهبنا للبحث عنه في المكان المدمر وجدنا بطاقة هويته وحزامه ( القايش ) عليه دماء وقطع صغيرة من اللحم لا تتعدي سم واحد بعيدا عن المبني لقد اصاب الصاروخ ابو يحيي اصابة مباشرة فتبخر الرجل .
القصف يشتد واصوات الانفجارات تتوالي جمعنا بعض قطع اللحم المتناثرة حول بطاقة الهوية لا تتعدي جرامات وضعناها في كيس صغير ثم في تابوت وصلينا المغرب وصلاة الجنازة خرجنا في موكب مهيب لتشيعه الي مثواه الاخير
كنا نجلس في بيت العزاء في الايام الثلاثة والغارات تتسارع وتتوالي في مكان .
عدت وبدات اجهزي بيتي للحرب ذهبت الي الصيدلية اشتريت كل مستلزمات الطبية وبعض المسكنات اشتريت الدقيق والمعلبات والمياه والشمع لانقطاع التيار الكهربائي وبطاريات الراديو ترانزيستور وكشافات الانارة دخلت بيتي حاملا بعض الاغراض واذا بانفجار من شدته وقعت علي الارض طلبت من ابنائي الاستلقاء ، بدات الشظايا تتناثر والغبار يلف البيت دقيقتين وقفت مطمئنا علي ابنائي بخير واذا بصاروخ اخر استلقينا ارضا ، ومن شدة الزجاج المتناثر والغبار والحجارة التي دخلت بيتي وارتجاج البيت واهتزازه كنت اعتقد ان الصاروخ اصاب بيتي ، وقفت والغبار يملئ المنزل ... الحمد لله الاولاد والبيت بخير عدا بعض الشبابيك التي تناثرت بعيدا لقد كان ابنائي مذهولين من قوة الانفجار ، بدئنا بتفقد البيت وازالة الاحجار و الزجاج المتناثر والتراب وتنظيف الغبار
خرجت لاعرف مكان الصاروخ ... امام منزلي ساحة فارغة عدة دونومات من الارض وبعض الاشجار مكان الانفجار هناك يبعد عن بيتي 45 مترا فقط لقد تم ضرب المكان بثلاثة عشر صاروخا من الطائرات المقاتلة خلال عشرة ايام ، الصاروخ الثالث عشر كان الاقرب الي بيتي بعدة امتار فقد امتلئ بيتي باكوام من الرمل والطين والحجارة وتكسر مزيد من الشبابيك .... في نهاية الاسبوع يوم الجمعة كنا نجلس علي مائدة الغذاء لتناول الطعام انا وابنائي علي اصوات الانفجارات وازيز الطائرات واصوات طائرات الاستكشاف ( الزنانة ) كانت تشتد تارة وتخف احيانا ، .... بدا يخبرني صديق عن طريق الهاتف النقال ( الجوال) ان صديقي وصديقه فريد استشهد ابنه وسالني ان كنت اريد الذهاب ....، كان منطقته غير آمنة وافقت علي الفور انتظرته حتي اتي في الطريق كانت الشوارع شبه فارغة كلما اتجهنا شمالا ، وصلنا الي المنزل جلست مع صديقي فريد لتعزيته ونتبادل الاحاديث ابنه البكر محمد الذي مضي على زواجه ستة شهور ، استشهد في الضربة الاولي يوم السبت الاول وانا اعرف شعور الاب كان متماسكا يدعو له بالرحمة ويخبرني كيف كان يبحث عن رفات ابنه لمدة اسبوع ولم يجده لا في مكان القصف ولا في المستشفيات حتي اخبره بعض الاصدقاء بوجود جثته في المكان مشوهة وبدون راس ... يقول اخذنا الجثة كانت شبه محترقة وصلينا عليها ذهب هو والمئات من المشيعين الاصدقاء والاقارب الي المقبرة لدفنه وفي الطريق ....... وبدات الدموع تنهمر من عيونه ساد الصمت لبرهة ثم اكمل الحديث في الطريق الي المقبرة اعترضتنا بعض السيارات التي نزل منها بعض الرجال والنسوة وطلبو منا انزال الجثة لانهم قالو ان الجثة لاحد ابنائهم وجائت امراة قالت انها امه واخبرتنا بعلامة بين اصابعه الابهام والسبابة لقد تاكدنا ان الجثة ليست لابني بدا يبكي ويخبرنا كيف عاد المشيعين من الاصدقاء والاقارب الي البيت وكانه قتل مرة اخرى ..... ادينا واجب العزاء انا وصديقي وعدنا كنا نرى الدخان المتصاعد من النيران التي تلتهم البيوت واصوات القصف والانفجارات كنا نمشي بالطريق ونشعر ان طائرات الاستكشاف تلاحقنا انها في كل مكان في السماء ، عدت الي البيت مرهقا مما اصاب صديقي فريد ...
السبت الثاني بدا الاجتياح البري بدات الدبابات تتقدم مقطعة قطاع غزة الصغير الي عدة اجزاء وبدات تحاصر غزة من الجنوب والشرق والشمال متمددة بالشريط الساحلي الشمالي الغربي اشتد قصف الطيران وبدات مروحيات الاباتشي بصواريخها وطلقات رشاشاتها تضرب كل متحرك ،.. والزنانات بالقصف والبوارج الحريية وتطلق نيرانها علي السكان بدات المدفعية بدك منازل المواطنين تحضيرا لدخول الدبابات التي كانت تحرق وتدمر كل شي ثابت ومتحرك بدات بدك منازل المواطنين علي سكانها لقد كانت محرقة بمعني المحرقة ، بدات اعداد الشهداء بازدياد من الاطفال والنساء والرجال والشيوخ وتدمير المزارع والبنية التحتية ومضخات المياه والمساجد ، بدا السكان العزل بالخروج تاركين منازلهم وجثث ابنائهم واطفالهم وبدأو باللجوء الي بعض المدارس كانت الاعدد كبيرة كنت اراهم وهم يخرجون يحملون القليل من الحاجيات وبعضهم يحمل اطفاله .... بدات الامور تزداد سوءا وبشاعة القتل والتدمير يفوق المتوقع والمعقول ... بدات البوارج البحرية بدك المنطقة التي اعيش فيها والاخطر هو وصول قذائف الدبابات وبدات اسمع بوضوح قوة صوت القذائف واري الحرائق تشتعل في كل مكان ، في البيوت والمزارع والمصانع والمساجد والمدارس في كل اتجاه ولا زالت الطائرات الحربية تغير وتقصف بشدة .... بدانا نشم رائحة الدمار ورائحة الموت ، جمعت بناتي وابني وزوجتي واخترنا مكان في البيت امن بعض الشيئ وجعلناه مكانا للنوم كنا جميعا ننام سويا ... بدات شظايا الصواريخ والمدفعية تصل بيتنا .... كنت دائما صلبا صامدا احاول طمأنة اولادي احاول ان اجعلهم لا يخافون لكن ............... كنت اعرف ان انهيار رب الاسرة يضعف الاسرة كلها ، كنت دائم التحدث معهم ومناقشة الامور اجيب علي كل تسائلاتهم بتفهم وموضوعية قدر الامكان ..... خلال الحرب بدات الاتصالات التلفونية من اسطوانات الجيش الاسرائيلي تتوعد الناس بالابتعاد عن المقاومة وتهديدات اخرى تلقيت عدة اتصالات واتصالات اخرى كانت كثيرة ومزعجة الي حد بعيد في منتصف الليل وفي ساعات الفجر التي كنا نقتنصها للنوم .... .... الو غزة انا اختكم من تونس الله معكم كيف المقاومة ..... الو غزة اخوكم من ليبيا ..... الو غزة اخوكم من السعودية ..... الو غزة اخوكم من اليمن اكثر الاتصالات اخوكم من ليبيا واليمن يريدو ان ينصرنا الله ولكنهم يريدو معرفة اخبار المقاومة كنت ارد بهدوء وادب شكرا واغلق السماعة ..... مع احترامي الكبير الي الاخوة العرب الاعزاء الذين ارادو المؤازرة وهم كثيرون الا انه ليس كل بل معظم الاتصالات كنت اعرف مصدرها عن طريق كاشف الرقم وهي من المستوطنات احدي طرق الخداع لمعرفة الاخبار ..
في ساعات الظهر اتصل صديق عزيز قال انه لا يستطيع الوصول عندي الي غزة كان مصابا وخرج من المستشفي ويرد المساعدة كانت الاجواء خطرة والتحرك خطيرا ايضا لكن وجدت نفسي مرتديا ملابسي خارج من المنزل ولم اخبر عائلتي عن وجهتي وصلت الي بيت صديقي وجدته مصاب اصابة بسيطة ... شربت معه كوب من الشاي وعلي عجل ودعته للخروج واذا بصوت انفجارات كبيرة قريبة من منزله .. ، جلست وطلبت منه فتح الراديو لمعرفة مكان الانفجارات لكي اعرف ان اشق طريق العودة ، سمعت مباشرة من الراديو ان الانفجارات في مدرسة الفاخورة ، لي هناك بالقرب من مدرسة الفاخورة قريب وهو ايضا صديق فاضل اعرف الفاخورة جيدا منذ عشرات السنين كانت هناك فاخورة لصناعة الفخار صاحبها اسمه ابو جلال رحمه الله اتجهت مسرعا نحو بيته لاطمئن عليه .... يا للهول يا الله اكوام من الجثث رجال شباب اطفال نساء ملقون علي الارض اشلاء و واجزاء وقطع من اللحم البشري متناثرة هناك والكثير الكثير من الاصابات وصلت مع وصول سيارات الاسعاف ، غير معقول اكثر من اربعين جثة واكثرمن مائة واربعين مصاب ... بدء المسعفون بنقل المصابين من بين الجثث وبدات اساعدهم بحمل بعض المصابين ، ووجدت صديقي حيا كنا جميعا نساعد ....، تم اخلاء المصابين وجاء دور الجثث ، لا يمكن ان اصف او اعبر بكلمات عن تلك المشاهد وبرك الدماء وقطع اللحم المتناثرة جراء القاء القذائف ....
عدت دخلت الى منزلي وملابسي كلها دماء , أصاب ابنائي الذهول وانا ادخل البيت جلست واخبرتهم وطلبت ان يحضروا لي كوب من القهوة حتى اغتسل واغير ملابسي , ..... في الايام التالية بدا يشتد القصف اكثر وبدانا نشعر باهتزاز البيت اكثر مساء يوم الجمعة كان هادئا ذهبت للنوم مستغلا ذلك الهدوء كنا جميعا نائمين ... ايقظني جرس التلفون الو ..غزة.. اخوكم من ليبيا ... كيف المقاومة ؟.. بكلمة واحدة شكرا اغلقت سماعة التلفون ..,كانت الساعة الواحد بعد منتصف الليل وقفت اشرب بعض الماء شعرت بالاختناق وحرق في انفي وعيوني , بدا الوضع يشتد فتحت باب البيت لارى ما يدور بالخارج لقد كان دخانا ابيض كثيف يحجب الرؤية على مسافة قريبة جدا لم استطع رؤية شي .. نظرت الى ابنائي وزوجتي ووجدتهم يقظين احضرت عدة فوط وبشاكير بللت اطرافها بالماء وطلبت منهم ان يضعوها على انوفهم للتنفس من خلالها وطلبت منهم الهدوء وعدم الحركة , بدات بالاتصال باصدقائي لمعرفة ما يحدث فوجدتهم جميعا يعانون من الدخان الابيض والرائحة القاتلة الشديدة استمر الحال بعد الساعة الرابعة صباحا انقشع الدخان ... صليت الصبح واخدت فنجانا من القهوة جلست وحدي واشعلت سيجارة فكرت وفكرت وقررت الخروج انا والعائلة من البيت .
كان يوم السبت ذهبت الى ابنائي لاطرح عليهم الامر ما ان اخبرتهم حتى رايت في عيونهم الفرح وبداو بالابتسام سالوني متى ؟ قلت الآن .. حضروا بعض اغراضكم الشخصية القليلة ذهبت خارج البيت لاستطلع الاجواء كانت خطرة ولكن خرجنا فرادى حتى لا تصيبنا قذيفة تقتلنا جميعا , طلبت منهم الوصول الى بيت ابن اخي ابو شمس في وسط غزة الهادئ نسبيا , بقيت لعدة ساعات في البيت لوحدي ثم لحقت بهم , كنا جميعا سعيدين وكذلك ابو شمس لوصولنا لمكان اكثر هدوءا جميعا خلدنا الى النوم الذي لم نعرفه اياما كثيرة .. بدات بالاتصال على بعض الاصدقاء في رفح كان القصف هناك مجنون بقنابل مجنونة على الشريط الحدودي الذي تم تهجير حوالي اربعين الف مواطن من سكانه كانت تلك القنابل من شدتها تعمل حفر عمقها حوالي عشرين متر وبعد ذلك تنفجر مرة اخرى مكونة ما يشبه الزلزال كان الوضع عصيبا في كل مدن وقرى ومخيمات قطاع غزة الحبيب .
بعد اربعة ايام احتاج ابنائي لبعض الملابس خرجت انا وزوجتي الى بيتنا الذي تركناه بعد صلاة الظهر وصلنا كان الجو هادئا دخلنا البيت احسست بالدفئ وشعور غريب كيف تركت بيتي ؟ ولكن كانت بيوت كثيرة محترقة , بدات زوجتي باحضار بعض الملابس للاولاد , فجاة بدا القصف بطائرات الاباتشي حول منزلنا اصبح الوضع خطيرا انتظرنا ساعة حتى هدا القصف وخرجنا مسرعين خارج المنزل جريا بدانا نشعر بالقاء القذائف والشظايا تتناثر بالقرب منا نشم رائحة الفسفور الابيض , اسرعنا اكثر حتى وصلنا الى منظقة امنة وبدا الإعياء يظهر على زوجتي اوقفت سيارة ونقلتها الى مستشفى دار الشفاء.. على الفور وضعوا الاكسجين وبداو بالفحص ورصد تخطيط القلب واعطائها بعض المهدئات , الحمد لله الحمد لله كل شي تمام .. بدات تتعافى ولكن طلب الاطباء ابقائها ساعة تحت الاختبار اتصلت بابني الذي بقي بجانب امه وخرجت لقسم الطوارئ لسماع وصول الكثير من سيارات الاسعاف المحملة بالمصابين .. هناك وقفت اشاهد وصول الجرحى اقتربت اكثر حتى وصلت المدخل ,وصلت سيارة اسعاف فتحت ابوابها ثم تم انزال شاب في الثلاثين من عمره يحتضن طفلين بشدة احدهم في الثالثة والاخر في السادسة من العمر انزله المسعفون كان محترقا هو واطفاله وصل ميتا هو واطفاله لقد كان مشهدا مروعا يا للهول !! .. حسبي الله ونعم الوكيل ... ابتعدت امتار قليلة وقفت بجانب احد المسعفين وهو يشرح كيف ذهب هو وعشرة من الاطباء والمسعفين بعد تدخل الصليب الاحمر عدة مرات وبعد مرور عدة ايام الى منطقة الزيتون لجلب الجثث والبحث عن المصابين .. يقول : اوقفهم الجيش الاسرائيلي على مسافة اكثر من كيلو متر وطلب منهم الترجل من سيارات الاسعاف والتقدم مشيا على الاقدام حتى وصلوا منطقة ودخلوا حيث الكثير من الجثث منها جثث نساء ملقاة واطفالهم الرضع بجانبهم مبيتين احد الرضع كان حيا والكثير من المصابين كانو ا يرقدون بين الجثث لعدة ايام , يقول : فكرنا بطريقة لنقل المصابين الى سيارات الاسعاف التي توقفت بعيدا حوالي كيلو متر او اكثر حتى وجدوا عربة يجرها حمار في احد البيوت اخذوها ووضعوا عليها عشرة مصابين , اثناء سيرهم قنص الاسرائيليون الحمار فاردوه ارضا يقول المسعف : تخلصنا من الحمار امام العربة وبدا قسم منا بجر العربة من الامام والقسم الاخر من الاطباء بدفعها من الخلف حتى وصلوا سيارات الاسعاف .. رجعت الى زوجتي ام مصعب وجدتها بحالة جيدة ورجعنا انا وهي وابني حيث بناتي الحمد لله على سلامة الجميع .. جلسنا جميعا لتناول الطعام واذا بانفجار يهز المنطقة التي اعتبرناها امنة لايوجد مكان امن في غزة.. وقفنا جميعا على الشباك ننظر لالسنة اللهب والدخان التي لم ارى مثلها خلال ايام الحرب .. كان قريب بعض الشي منا .. مخازن الامم المتحدة للاغذية تشتعل .. استمرت النيران ليومين كاملين ..
يوم السبت تم الاعلان ان هناك مؤتمر سوف يلقي فيه ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بيانا , انتظرت حتى الحادي عشر ليلا استمعت باصغاء انا والعائلة لاعلان وقف اطلاق النار من طرف واحد الذي يبدا الثانية صباحا ... خلدنا الى النوم وكنت مستيقظا في ساعات الصبح الاولى طلبت من ابنائي وزوجتي لتحضير انفسهم للعودة الى البيت بعد ان شكرنا ابو شمس على حسن الضيافة .. وصلنا الى بيتنا وحمدنا الله اننا تركناه لاسبوع مما رايناه ولكن البيت كان سليما والابناء جميعا والحمد لله ..ونحن منشغلين بتنظيف البيت وازالة الاتربة ووضع بعض النايلون بدل الشبابيك المكسرة .. اتصل بي ابن اخي ابو زياد الذي يسكن في الشمال في منطقة التوام اخبرني انه عاد الى البيت ولكنه لم يجده كل المنطقة مدمرة ولم يستطع ان يحدد مكان منزله اسرعت اليه انا وابني ... الله واكبر الله واكبر .. كل المنطقة غير موجودة لقد تم تدميره ومسح كل بيوتها عن الارض .. بدانا بالبحث سويا حتى وجدنا بعض العاب بناته وبعض دفاتر المدرسة مكتوب عليها اسماء بناته .. حسبنا الله ونعم الوكيل بيته دمر مع كل ما يحتوي من اثاث حسبنا الله ونعم الوكيل .. طلبت منه بالمجيئ للسكن معنا هو وزوجته وبناته الخمسة اكبرهن في الصف التاني الابتدائي والصغرى سنة ونصف .. كنت مسرورا لموافقته للسكن معنا ولكني تركته وتركت ابني معه ورجعت الى البيت .. كنت مرهقا جدا ... دخلت البيت فوجدت ابنائي يغنون عيد ميلاد سعيد بابا مع بعض الشموع , ابتسمت وهم يغنون .. سمعت صوت هاتف الجوال ورددت ... الو .. اهلا اختي ام يحيى ..سمعت صوتها المتحجرش ثم باكية ... اخبرتني انها ذهبت اليوم الى الطبيبة للاطمئنان على الجنين واخبرتها الطبيبة ان الجنين هالك .. شعرت ان دمعة وقعت من عيني , اشعلت سيجارة وذهبت الى السطح وجلست مع مجموعة الصبار .. الهمنا الله واياكم